الأساس النقدي وأساس الاستحقاق: دليل شامل لفهم أسس المحاسبة المالية الحديثة

تشكل أسس المحاسبة المالية العمود الفقري لأي نظام محاسبي فعال، حيث تحدد هذه الأسس الطريقة التي يتم بها تسجيل وقياس وعرض المعاملات المالية في الدفاتر المحاسبية والقوائم المالية. وفي هذا السياق، يبرز أساسان رئيسيان يحكمان عالم المحاسبة المالية وهما الأساس النقدي وأساس الاستحقاق، واللذان يختلفان جوهرياً في فلسفة التسجيل والاعتراف بالمعاملات المالية. إن فهم هذين الأساسين ليس مجرد معرفة نظرية، بل ضرورة عملية لكل من يتعامل مع الأنظمة المحاسبية، سواء كان مديراً مالياً أو محاسباً أو رائد أعمال أو حتى مستثمراً يسعى لفهم القوائم المالية للشركات التي يستثمر فيها.

الأساس النقدي: المفهوم والخصائص الأساسية

يعتبر الأساس النقدي من أبسط الطرق المحاسبية وأكثرها وضوحاً، حيث يقوم على مبدأ أساسي واحد وهو عدم الاعتراف بأي معاملة مالية إلا عند حدوث تدفق نقدي فعلي، سواء كان هذا التدفق عبارة عن استلام نقدي للإيرادات أو دفع نقدي للمصروفات. وبموجب هذا الأساس، فإن الشركة لا تسجل أي إيراد في دفاترها المحاسبية حتى تستلم المقابل النقدي بالفعل، كما أنها لا تسجل أي مصروف حتى تقوم بدفع المبلغ نقداً أو من خلال الحساب البنكي.

إن جوهر الأساس النقدي يكمن في تركيزه الكامل على السيولة النقدية والتدفقات النقدية الحقيقية، مما يجعله يعكس الوضع النقدي الفعلي للمنشأة في أي لحظة زمنية معينة. هذا التركيز على النقد يجعل الأساس النقدي مناسباً بشكل خاص للمنشآت الصغيرة والأعمال الفردية التي تتعامل بشكل أساسي بالنقد وتحتاج إلى معرفة دقيقة ومباشرة عن سيولتها النقدية. كما أن هذا الأساس يتميز بالبساطة الشديدة في التطبيق، حيث لا يتطلب معرفة محاسبية معقدة أو تدريباً متخصصاً، فكل ما يحتاجه المحاسب هو تسجيل المعاملات النقدية الفعلية فقط.

من ناحية أخرى، يوفر الأساس النقدي شفافية عالية في فهم الوضع المالي للمنشأة من ناحية السيولة، حيث يمكن لإدارة الشركة أن تعرف بدقة كم من النقد لديها في أي وقت، وكم من النقد تم إنفاقه على المصروفات المختلفة. هذه الشفافية تجعل من السهل على الإدارة اتخاذ قرارات سريعة متعلقة بالسيولة والتدفق النقدي، كما أنها تقلل من احتمالية الأخطاء المحاسبية نظراً لبساطة النظام.

مثال عملي على الأساس النقدي

لنأخذ مثالاً عملياً لمطعم صغير يطبق الأساس النقدي خلال شهر يناير:

المعاملات النقدية التي تُسجل: • باع وجبات نقداً: 50,000 ريال • اشترى مواد خام نقداً: 20,000 ريال
• دفع راتب الطباخ نقداً: 8,000 ريال • دفع إيجار المطعم نقداً: 5,000 ريال

المعاملات التي لا تُسجل (لعدم وجود تدفق نقدي): • باع وجبات لشركة مجاورة: 10,000 ريال (ستدفع في فبراير) • اشترى معدات مطبخ: 15,000 ريال (سيدفع في فبراير)

النتيجة المالية وفقاً للأساس النقدي: • إجمالي الإيرادات: 50,000 ريال • إجمالي المصروفات: 33,000 ريال (20,000 + 8,000 + 5,000) • صافي الربح: 17,000 ريال

أساس الاستحقاق: الفلسفة المحاسبية المتقدمة

يمثل أساس الاستحقاق نقلة نوعية في الفكر المحاسبي، حيث يتجاوز التركيز البسيط على التدفقات النقدية ليقدم رؤية شاملة ومتكاملة للأداء المالي للمنشأة. وفقاً لهذا الأساس، يتم الاعتراف بالإيرادات عند تحققها أو كسبها، بغض النظر عن موعد استلام النقد المقابل لها، كما يتم الاعتراف بالمصروفات عند تكبدها أو حدوثها، بغض النظر عن موعد دفع النقد المقابل لها. هذا المبدأ الأساسي يعني أن أساس الاستحقاق يهتم بجوهر العملية الاقتصادية وليس فقط بشكلها النقدي.

إن جوهر أساس الاستحقاق يكمن في محاولة مطابقة الإيرادات مع المصروفات التي ساهمت في تحقيق هذه الإيرادات خلال نفس الفترة المحاسبية، وهو ما يُعرف بمبدأ المقابلة أو المطابقة. هذا المبدأ يضمن أن القوائم المالية تعكس الأداء الحقيقي للمنشأة خلال فترة زمنية محددة، وليس فقط التدفقات النقدية التي حدثت خلال هذه الفترة. على سبيل المثال، إذا باعت شركة بضائع بقيمة مليون ريال في ديسمبر ولكنها لم تحصل على المبلغ إلا في يناير من العام التالي، فإن أساس الاستحقاق يقتضي تسجيل هذا الإيراد في ديسمبر وليس في يناير.

يتطلب تطبيق أساس الاستحقاق فهماً عميقاً للمعايير المحاسبية والمبادئ المحاسبية المقبولة عموماً، كما يتطلب استخدام تقديرات واجتهادات محاسبية في العديد من المواقف. هذا التعقيد النسبي يجعل أساس الاستحقاق أكثر تكلفة في التطبيق مقارنة بالأساس النقدي، حيث يحتاج إلى محاسبين مؤهلين وأنظمة محاسبية متطورة. ومع ذلك، فإن هذا الاستثمار في التعقيد يؤتي ثماره من خلال توفير معلومات مالية أكثر دقة وشمولية.

مثال عملي على أساس الاستحقاق

لنطبق نفس مثال المطعم السابق ولكن باستخدام أساس الاستحقاق:

جميع المعاملات تُسجل عند حدوثها: • باع وجبات نقداً: 50,000 ريال • باع وجبات لشركة (سيحصل عليها في فبراير): 10,000 ريال • اشترى مواد خام نقداً: 20,000 ريال • دفع راتب الطباخ: 8,000 ريال • دفع إيجار المطعم: 5,000 ريال • اشترى معدات مطبخ (سيدفع في فبراير): 15,000 ريال

النتيجة المالية وفقاً لأساس الاستحقاق: • إجمالي الإيرادات: 60,000 ريال (50,000 + 10,000) • إجمالي المصروفات: 48,000 ريال (20,000 + 8,000 + 5,000 + 15,000) • صافي الربح: 12,000 ريال

الفرق في النتائج: • الأساس النقدي أظهر ربحاً: 17,000 ريال • أساس الاستحقاق أظهر ربحاً: 12,000 ريال • الفرق: 5,000 ريال بسبب اختلاف توقيت تسجيل المعاملات

التحليل المقارن العميق بين الأساسين

عند إجراء مقارنة شاملة بين الأساس النقدي وأساس الاستحقاق، نجد أن كل منهما يخدم أغراضاً مختلفة ويناسب ظروفاً وبيئات عمل متنوعة. من ناحية الدقة في قياس الأداء، يتفوق أساس الاستحقاق بشكل واضح، حيث يوفر صورة أكثر دقة وشمولية عن الأداء المالي للمنشأة. هذه الدقة تنبع من قدرة أساس الاستحقاق على التقاط جميع العمليات الاقتصادية التي تؤثر على المنشأة، بغض النظر عن توقيت التدفقات النقدية المرتبطة بها.

من ناحية البساطة والسهولة في التطبيق، يتميز الأساس النقدي بوضوح لا يمكن إنكاره. فتسجيل المعاملات النقدية فقط يجعل العملية المحاسبية مباشرة وخالية من التعقيدات التي قد تصاحب تطبيق أساس الاستحقاق. هذه البساطة تجعل الأساس النقدي خياراً مثالياً للمنشآت الصغيرة والأعمال الفردية التي لا تمتلك الموارد اللازمة لتطبيق نظام محاسبي معقد.

من منظور التكلفة، يعتبر الأساس النقدي أقل تكلفة بشكل كبير، حيث لا يتطلب توظيف محاسبين متخصصين أو شراء أنظمة محاسبية متطورة. في المقابل، يتطلب أساس الاستحقاق استثماراً أكبر في الموارد البشرية والتقنية، ولكن هذا الاستثمار يحقق عائداً من خلال توفير معلومات مالية أكثر قيمة ودقة.

دليل اختيار الأساس المحاسبي المناسب لمنشأتك

كيف تحدد الأساس المناسب لعملك؟

اختيار الأساس المحاسبي المناسب لمنشأتك يتطلب تقييماً شاملاً لعدة عوامل أساسية تحدد احتياجاتك وظروف عملك. أولاً وأهم هذه العوامل هو حجم منشأتك ونوع نشاطها التجاري، فإذا كنت تدير عملاً صغيراً مثل محل بقالة أو مطعم صغير أو ورشة إصلاح، وكانت معظم معاملاتك تتم نقداً أو بالبطاقات الائتمانية مع التحصيل الفوري، فإن الأساس النقدي سيكون خياراً مثالياً يوفر لك البساطة والوضوح دون تعقيدات غير ضرورية. في المقابل، إذا كانت منشأتك متوسطة أو كبيرة الحجم، أو تعمل في مجال يتطلب البيع والشراء بالأجل مثل تجارة الجملة أو التصنيع أو الخدمات الاستشارية للشركات، فإن أساس الاستحقاق سيكون ضرورياً لتوفير صورة دقيقة عن أدائك المالي.

معايير الاختيار الأساسية

المعيار الثاني المهم هو المتطلبات القانونية والتنظيمية التي تخضع لها منشأتك، فالشركات المساهمة والشركات المدرجة في السوق المالية مطالبة قانونياً باستخدام أساس الاستحقاق، كما أن الشركات التي تتجاوز إيراداتها حداً معيناً قد تكون مطالبة باستخدام أساس الاستحقاق لأغراض ضريبية. المعيار الثالث هو احتياجات أصحاب المصلحة في منشأتك، فإذا كنت تحتاج للحصول على قروض بنكية أو جذب مستثمرين، فإن البنوك والمستثمرين عادة ما يفضلون القوائم المالية المُعدة وفقاً لأساس الاستحقاق لأنها توفر صورة أكثر شمولية عن الأداء المالي والمركز المالي للشركة.

إرشادات الاختيار حسب نوع النشاط

للأعمال الخدمية الصغيرة مثل صالونات التجميل والعيادات الطبية الخاصة والمكاتب الاستشارية الفردية، يُنصح باستخدام الأساس النقدي إذا كانت معظم الخدمات تُدفع فور تقديمها. أما للشركات التجارية التي تتعامل مع المخزون والبيع بالأجل، فإن أساس الاستحقاق يصبح ضرورياً لتتبع تكلفة البضاعة المباعة والذمم المدينة بدقة. بالنسبة لشركات التصنيع، فإن أساس الاستحقاق ضروري حتماً نظراً لتعقد العمليات الإنتاجية وضرورة مطابقة التكاليف مع الإيرادات. أما الشركات العقارية والمقاولات التي تعمل في مشاريع طويلة الأجل، فإن أساس الاستحقاق يوفر لها إمكانية تسجيل الإيرادات تدريجياً حسب نسبة الإنجاز، مما يعكس الأداء الفعلي بدقة أكبر.

مؤشرات الحاجة للتحول

هناك مؤشرات واضحة تدل على ضرورة إعادة تقييم الأساس المحاسبي المستخدم والتفكير في التحول، ومن أهم هذه المؤشرات نمو حجم المبيعات بالأجل أو زيادة فترات السداد، حيث تصبح الفجوة بين تقديم السلع أو الخدمات واستلام المقابل النقدي كبيرة بما يكفي لتشويه الصورة المالية. مؤشر آخر مهم هو الحاجة للحصول على تمويل خارجي أو دخول شركاء جدد، حيث يفضل المقرضون والمستثمرون عادة القوائم المالية المُعدة وفقاً لأساس الاستحقاق. كذلك، إذا أصبحت عمليات منشأتك أكثر تعقيداً أو بدأت في التعامل مع عقود طويلة الأجل أو مشاريع متعددة المراحل، فإن هذا يشير إلى ضرورة التحول إلى أساس الاستحقاق للحصول على معلومات مالية أكثر دقة ومفيدة.

التطبيقات العملية والحالات المناسبة لكل أساس

يناسب الأساس النقدي بشكل خاص المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي تتعامل بشكل أساسي بالمعاملات النقدية الفورية. على سبيل المثال، المطاعم والمقاهي والمحلات التجارية الصغيرة التي تحصل على مدفوعات نقدية فورية من عملائها قد تجد أن الأساس النقدي يوفر لها المعلومات التي تحتاجها دون تعقيد غير ضروري. كما أن الأساس النقدي مناسب للمهنيين المستقلين مثل الأطباء والمحامين والاستشاريين الذين يقدمون خدمات ويحصلون على أتعاب نقدية مباشرة.

من ناحية أخرى، يعتبر أساس الاستحقاق ضرورياً للشركات الكبيرة والمتوسطة التي تتعامل بنظام البيع بالأجل والشراء بالأجل، حيث تباع البضائع وتُقدم الخدمات قبل استلام المقابل النقدي، وتُشترى المواد الخام والأصول قبل دفع المقابل النقدي. في هذه الحالات، لا يمكن للأساس النقدي أن يوفر صورة دقيقة عن الأداء المالي للشركة، حيث قد تظهر الشركة وكأنها تحقق خسائر في شهر معين بسبب عدم استلام مدفوعات العملاء، بينما تكون قد حققت مبيعات كبيرة في نفس الشهر.

كما أن أساس الاستحقاق ضروري للشركات التي تعمل في مشاريع طويلة الأجل، مثل شركات المقاولات والإنشاءات التي قد تستغرق مشاريعها عدة سنوات. في هذه الحالة، يسمح أساس الاستحقاق بتسجيل جزء من الإيراد المتوقع من المشروع في كل فترة محاسبية بناءً على نسبة الإنجاز، مما يوفر صورة أكثر دقة عن أداء الشركة.

الآثار الضريبية والتنظيمية

تختلف الآثار الضريبية بشكل كبير بين الأساس النقدي وأساس الاستحقاق، وهذا الاختلاف له تأثيرات مالية مهمة على المنشآت. عند استخدام الأساس النقدي، تُحسب الضرائب على الإيرادات النقدية الفعلية التي تم استلامها خلال السنة الضريبية، وتُخصم المصروفات النقدية الفعلية التي تم دفعها. هذا يعني أن المنشأة قد تتمكن من تأجيل دفع الضرائب على بعض الإيرادات إذا لم تقم بتحصيلها نقدياً بعد، كما يمكنها تعجيل دفع بعض المصروفات لتقليل الوعاء الضريبي.

في المقابل، عند استخدام أساس الاستحقاق، تُحسب الضرائب على جميع الإيرادات المستحقة خلال السنة الضريبية، حتى لو لم يتم تحصيلها نقدياً بعد. هذا قد يؤدي إلى دفع ضرائب على إيرادات لم تُحصل نقدياً بعد، مما قد يخلق تحدياً في السيولة النقدية. ومع ذلك، فإن أساس الاستحقاق يوفر صورة أكثر دقة عن الأداء المالي الحقيقي للمنشأة، مما يجعله مطلوباً من قبل معظم الهيئات التنظيمية للشركات الكبيرة والمساهمة.

في المملكة العربية السعودية، تتطلب هيئة السوق المالية من الشركات المدرجة استخدام أساس الاستحقاق في إعداد قوائمها المالية، وذلك لضمان الشفافية والدقة في المعلومات المالية المقدمة للمستثمرين. كما أن معايير المحاسبة الدولية والمعايير المحاسبية السعودية تقوم على أساس الاستحقاق، مما يجعله الخيار الوحيد للشركات التي تسعى للامتثال لهذه المعايير.

التأثير على القوائم المالية واتخاذ القرارات

يؤثر اختيار الأساس المحاسبي بشكل جوهري على شكل ومضمون القوائم المالية، وبالتالي على القرارات التي تُتخذ بناءً على هذه القوائم. عند استخدام الأساس النقدي، تعكس قائمة الدخل التدفقات النقدية الفعلية فقط، مما يجعلها مفيدة جداً لتقييم السيولة النقدية للمنشأة. ومع ذلك، فإن هذه القائمة قد لا تعكس الأداء التشغيلي الحقيقي للمنشأة، خاصة إذا كان هناك فجوة زمنية بين تقديم السلع أو الخدمات واستلام المقابل النقدي.

في المقابل، عند استخدام أساس الاستحقاق، تعكس قائمة الدخل جميع الإيرادات والمصروفات المرتبطة بالفترة المحاسبية، بغض النظر عن توقيت التدفقات النقدية. هذا يوفر صورة أكثر دقة عن الأداء التشغيلي للمنشأة، ويساعد في اتخاذ قرارات استراتيجية طويلة الأجل. كما أن أساس الاستحقاق يسمح بإعداد ميزانية عمومية شاملة تتضمن جميع الأصول والالتزامات، وليس فقط النقد والأصول النقدية.

إن التأثير على اتخاذ القرارات يمتد إلى جميع مستويات الإدارة وأصحاب المصلحة. فبالنسبة للإدارة التشغيلية، توفر القوائم المالية المبنية على أساس الاستحقاق معلومات أكثر تفصيلاً عن ربحية المنتجات والخدمات المختلفة، مما يساعد في اتخاذ قرارات التسعير والإنتاج. بالنسبة للمستثمرين والمقرضين، توفر هذه القوائم صورة أكثر شمولية عن الأداء المالي والمركز المالي للشركة، مما يساعدهم في تقييم المخاطر والعوائد المتوقعة.

استراتيجيات التحول والتطبيق العملي

عندما تقرر منشأة التحول من الأساس النقدي إلى أساس الاستحقاق أو العكس، فإن هذا التحول يتطلب تخطيطاً دقيقاً واستراتيجية محكمة لضمان نجاح العملية وتجنب الأخطاء المحاسبية. يبدأ التحول عادة بتقييم شامل للنظام المحاسبي الحالي وتحديد التغييرات المطلوبة في الأنظمة والإجراءات والموارد البشرية. هذا التقييم يجب أن يشمل دراسة التكلفة والعائد المتوقع من التحول، بالإضافة إلى تحديد الجدول الزمني المناسب للتنفيذ.

في حالة التحول إلى أساس الاستحقاق، تحتاج المنشأة إلى تطوير إجراءات جديدة لتتبع المعاملات غير النقدية، مثل الذمم المدينة والذمم الدائنة والمصروفات المستحقة والإيرادات المؤجلة. كما تحتاج إلى تدريب فريق المحاسبة على المفاهيم والإجراءات الجديدة، وربما توظيف محاسبين متخصصين لديهم خبرة في تطبيق أساس الاستحقاق. بالإضافة إلى ذلك، قد تحتاج المنشأة إلى ترقية أنظمتها المحاسبية لتتمكن من التعامل مع التعقيدات الإضافية لأساس الاستحقاق.

أما في حالة التحول إلى الأساس النقدي، والذي يحدث عادة في المنشآت الصغيرة التي تريد تبسيط أنظمتها المحاسبية، فإن العملية قد تكون أقل تعقيداً ولكنها تتطلب حذراً شديداً لضمان الامتثال للمتطلبات القانونية والضريبية. في كلا الحالتين، من المهم جداً الحصول على استشارة من محاسبين قانونيين ومستشارين ضريبيين لضمان أن التحول يتم بطريقة صحيحة ومتوافقة مع القوانين واللوائح المعمول بها.

التحديات والحلول في التطبيق العملي

رغم الفوائد العديدة لكل من الأساس النقدي وأساس الاستحقاق، إلا أن تطبيق أي منهما يواجه تحديات عملية تتطلب حلولاً مبتكرة ومدروسة. في حالة الأساس النقدي، أحد أبرز التحديات هو عدم قدرته على توفير صورة شاملة عن الالتزامات المالية للمنشأة، مما قد يؤدي إلى مشاكل في التخطيط المالي والتدفق النقدي. لحل هذه المشكلة، يمكن للمنشآت التي تستخدم الأساس النقدي الاحتفاظ بسجلات إضافية غير رسمية للالتزامات المستقبلية والذمم المدينة والدائنة، دون إدراجها في القوائم المالية الرسمية.

أما بالنسبة لأساس الاستحقاق، فإن أحد أبرز التحديات هو التعقيد في التطبيق والحاجة إلى اتخاذ تقديرات واجتهادات محاسبية قد تؤثر على دقة المعلومات المالية. لمواجهة هذا التحدي، من المهم تطوير سياسات محاسبية واضحة ومفصلة تحدد كيفية التعامل مع المواقف المختلفة، بالإضافة إلى تدريب فريق المحاسبة على هذه السياسات وضمان تطبيقها بشكل متسق.

تحدٍ آخر يواجه تطبيق أساس الاستحقاق هو إدارة التدفق النقدي، حيث قد تظهر الشركة أرباحاً في قائمة الدخل بينما تعاني من نقص في السيولة النقدية بسبب تأخر تحصيل الذمم المدينة. لحل هذه المشكلة، من المهم إعداد قائمة التدفقات النقدية بجانب قائمة الدخل، وتطوير نظام فعال لإدارة الذمم المدينة وتحصيل المستحقات.

الاتجاهات المستقبلية والتطورات التكنولوجية

مع التطور السريع في التكنولوجيا المالية والمحاسبية، نشهد تغيرات جوهرية في طريقة تطبيق كل من الأساس النقدي وأساس الاستحقاق. الأنظمة المحاسبية الحديثة المدعومة بالذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي تجعل من الممكن تطبيق أساس الاستحقاق بسهولة أكبر ودقة أعلى، حيث يمكن لهذه الأنظمة أتمتة العديد من العمليات المعقدة مثل تسجيل المصروفات المستحقة والإيرادات المؤجلة.

كما أن تطور أنظمة الدفع الإلكتروني والعملات الرقمية يؤثر على طبيعة التدفقات النقدية، مما قد يؤدي إلى تطوير أشكال جديدة ومختلطة من الأسس المحاسبية تجمع بين مزايا الأساس النقدي وأساس الاستحقاق. هذه التطورات تتطلب من المحاسبين والمديرين الماليين مواكبة التغيرات التكنولوجية وتطوير مهاراتهم باستمرار لضمان الاستفادة القصوى من هذه الأدوات الحديثة.

خاتمة شاملة وتوصيات عملية

في الختام، يمكن القول أن اختيار الأساس المحاسبي المناسب ليس مجرد قرار تقني، بل قرار استراتيجي يؤثر على جميع جوانب الإدارة المالية للمنشأة. الأساس النقدي، بساطته ووضوحه، يجعله خياراً مثالياً للمنشآت الصغيرة والأعمال التي تتعامل بشكل أساسي بالمعاملات النقدية الفورية. في المقابل، أساس الاستحقاق، بدقته وشموليته، يعتبر ضرورياً للشركات الكبيرة والمتوسطة التي تسعى لتوفير معلومات مالية دقيقة وشاملة لأصحاب المصلحة.

التوصية الأساسية للمنشآت هي إجراء تقييم شامل لاحتياجاتها ومتطلباتها القانونية والتنظيمية قبل اتخاذ قرار بشأن الأساس المحاسبي المناسب. هذا التقييم يجب أن يأخذ في الاعتبار طبيعة العمل، حجم المنشأة، مستوى التعقيد في المعاملات، المتطلبات القانونية والضريبية، واحتياجات أصحاب المصلحة المختلفين. كما ينبغي أن يشمل التقييم دراسة التكلفة والعائد من تطبيق كل أساس، بالإضافة إلى إمكانيات المنشأة من ناحية الموارد البشرية والتقنية.

من المهم أيضاً أن تدرك المنشآت أن اختيار الأساس المحاسبي ليس قراراً نهائياً، بل يمكن تغييره مع نمو المنشأة وتطور احتياجاتها. ومع ذلك، فإن أي تغيير في الأساس المحاسبي يتطلب تخطيطاً دقيقاً وتنفيذاً محكماً لضمان الامتثال للمعايير المحاسبية والمتطلبات القانونية. في النهاية، الهدف من اختيار الأساس المحاسبي المناسب هو توفير معلومات مالية مفيدة ودقيقة تساعد في اتخاذ قرارات مالية سليمة وتحقيق أهداف المنشأة بكفاءة وفعالية.

قائمة مرجعية لاتخاذ القرار

اختر الأساس النقدي إذا كان عملك:

  • عبارة عن منشأة صغيرة أو عمل فردي بإيرادات سنوية أقل من مليون ريال
  • يتعامل بشكل أساسي بالمعاملات النقدية الفورية أو البطاقات الائتمانية مع التحصيل الفوري
  • لا يتطلب احتفاظاً بمخزون كبير أو تعاملاً مع الموردين بالأجل
  • لا يحتاج لتمويل خارجي أو شركاء مستثمرين في المستقبل القريب
  • يفتقر للخبرة المحاسبية المتخصصة أو الميزانية لتوظيف محاسبين مؤهلين
  • يركز على البساطة في إدارة الحسابات وسهولة متابعة التدفق النقدي

اختر أساس الاستحقاق إذا كان عملك:

  • شركة متوسطة أو كبيرة بإيرادات سنوية تتجاوز مليون ريال
  • يتضمن بيعاً أو شراءً بالأجل أو عقوداً طويلة الأجل
  • يحتفظ بمخزون من البضائع أو المواد الخام
  • مطالباً قانونياً باستخدام أساس الاستحقاق (شركات مساهمة أو مدرجة)
  • يسعى للحصول على تمويل بنكي أو جذب مستثمرين
  • يحتاج لمعلومات مالية دقيقة لاتخاذ قرارات استراتيجية
  • لديه فريق محاسبي مؤهل أو إمكانية للاستعانة بخدمات محاسبية متخصصة

أمثلة إضافية حسب نوع النشاط

للمطاعم والمقاهي الصغيرة: • الأساس النقدي مناسب إذا: معظم العملاء يدفعون نقداً أو بالبطاقة فور الطلب • أساس الاستحقاق ضروري إذا: بدأت في تقديم خدمات التوريد للشركات أو الحفلات بنظام الدفع المؤجل

للعيادات الطبية: • الأساس النقدي مناسب إذا: العيادة تحصل على أتعابها فور تقديم الخدمة من المرضى مباشرة • أساس الاستحقاق ضروري إذا: العيادة تتعامل مع شركات التأمين الطبي وتحتاج لتسجيل المستحقات

لمتاجر البيع بالتجزئة: • الأساس النقدي مناسب إذا: المتجر يبيع للمستهلكين نقداً أو بالبطاقة الائتمانية فوراً • أساس الاستحقاق ضروري إذا: المتجر يبيع للشركات بالأجل أو يشتري من الموردين بفترات سداد

للشركات الاستشارية: • الأساس النقدي مناسب إذا: الاستشاري يحصل على أتعابه فور إنجاز المشاريع الصغيرة • أساس الاستحقاق ضروري إذا: الشركة تعمل في مشاريع طويلة مع دفعات مرحلية أو عقود سنوية

لشركات المقاولات: • أساس الاستحقاق ضروري دائماً لأن: المشاريع تستغرق فترات طويلة ويجب تسجيل الإيرادات حسب نسبة الإنجاز

للورش والخدمات الفنية: • الأساس النقدي مناسب إذا: الخدمات تُقدم وتُدفع في نفس اليوم • أساس الاستحقاق مطلوب إذا: الورشة تتعامل مع قطع غيار مستوردة أو عقود صيانة طويلة الأجل


_هذا المقال من إعداد فريق ميزان المتخصص في الحلول المحاسبية والمالية.

إحجز جلسة العرض التوضيحي لبرنامج ميزان المحاسبي

أفضل برنامج محاسبي للمنشآت الصغيرة والمتوسطة

بنتواصل معك خلال 24 ساعة لجدولة الجلسة