ما هو التمويل السلوكي؟
التمويل السلوكي هو مجال يجمع بين علم النفس والاقتصاد لفهم لماذا يتخذ المستثمرون قرارات مالية غير منطقية أحياناً. على عكس التمويل التقليدي، الذي يفترض أن الناس يتصرفون بعقلانية دائماً وأن الأسواق فعّالة، يعترف التمويل السلوكي بأن العواطف والأفكار المسبقة والتأثيرات الاجتماعية يمكن أن تؤثر بشكل كبير على الخيارات المالية. يستعرض هذا المقال المفاهيم الأساسية للتمويل السلوكي وأنماطه الرئيسية وآثاره على المستثمرين والأسواق.
تعريف التمويل السلوكي
يدرس التمويل السلوكي كيف تؤثر العوامل النفسية على اتخاذ القرارات المالية. تفترض نماذج التمويل التقليدية، مثل فرضية السوق الكفء، أن المستثمرين يتصرفون دائمًا بشكل عقلاني، مع إمكانية الوصول إلى جميع المعلومات المتاحة. ومع ذلك، يدرك التمويل السلوكي أن البشر ليسوا عقلانيين دائمًا ويميلون إلى سلوكيات معينة تؤدي إلى قرارات غير مثالية.
ظهر هذا المجال في أواخر القرن العشرين، بمساهمات من علماء النفس مثل دانيال كانيمان وعاموس تفيرسكي، اللذان قدما نظرية الاحتمالات. تشير هذه النظرية إلى أن الناس يقيّمون المكاسب والخسائر بشكل مختلف، وغالبًا ما يعطون الأولوية لتجنب الخسائر على تحقيق مكاسب معادلة - وهو مفهوم يُعرف باسم الخوف من الخسارة.
المفاهيم والسلوكيات الرئيسية في التمويل السلوكي
يحدد التمويل السلوكي العديد من الأنماط العقلية والعاطفية التي تؤثر على القرارات المالية. فيما يلي بعض من أبرزها:
1. الخوف من الخسارة
يميل المستثمرون إلى الشعور بألم الخسائر بشكل أكثر من متعة المكاسب. على سبيل المثال، خسارة 1,000 ريال تؤلم أكثر من الفرح بكسب 1,000 ريال. هذا يجعل المستثمرين يتمسكون بالاستثمارات الخاسرة لفترة طويلة على أمل استرداد خسائرهم.
2. الثقة الزائدة
يبالغ العديد من المستثمرين في تقدير معرفتهم أو قدرتهم على التنبؤ بحركات السوق. يمكن أن تؤدي الثقة الزائدة إلى التداول المفرط، أو نقص التنويع، أو تحمل مخاطر غير مبررة، مما يؤدي غالبًا إلى أداء استثماري ضعيف.
3. التعلق بالأرقام القديمة
يحدث هذا عندما يعتمد المستثمرون بشكل كبير على المعلومات الأولية عند اتخاذ القرارات. على سبيل المثال، قد يركز المستثمر على السعر المرتفع السابق للسهم ويرفض البيع عندما ينخفض السعر بشكل كبير، معتقدًا أنه سيعود إلى ذلك السعر القديم.
4. المشي مع الجماعة
غالبًا ما يتبع المستثمرون الآخرين، خاصة خلال فترات الازدهار أو الانهيار في السوق. يمكن أن يغذي هذا السلوك فقاعات الأصول (مثل فقاعة الدوت كوم) أو البيع الذعري أثناء انهيارات السوق، حيث يقلد الأفراد تصرفات الآخرين دون تحليل مستقل.
5. البحث عن ما يؤيد رأيك
يدفع هذا السلوك المستثمرين إلى البحث عن معلومات تدعم معتقداتهم الحالية مع تجاهل الأدلة المتناقضة. على سبيل المثال، قد يركز المستثمر المتفائل بشأن سهم ما فقط على الأخبار الإيجابية حول الشركة، متجاهلاً المخاطر.
6. التعامل مع المال بطرق مختلفة
تشير هذه العادة إلى معاملة المال بشكل مختلف بناءً على مصدره أو الاستخدام المقصود له. على سبيل المثال، قد يعامل المستثمر المكافأة كـ "أموال للتجربة" ويتخذ قرارات أكثر خطورة بها، بدلاً من دمجها في خطة مالية شاملة.
الآثار على المستثمرين
للتمويل السلوكي آثار عميقة على المستثمرين الأفراد والمتخصصين الماليين. من خلال فهم هذه السلوكيات، يمكن للمستثمرين اتخاذ خطوات للتخفيف من تأثيرها:
- التنويع: يمكن أن تؤدي الثقة الزائدة والتعلق بالأرقام القديمة إلى محافظ مركزة. يمكن أن يؤدي تنويع الاستثمارات عبر فئات الأصول إلى تقليل المخاطر.
- الانضباط والاستثمار بقواعد واضحة: يمكن أن يساعد تحديد قواعد استثمارية واضحة، مثل أوامر إيقاف الخسارة أو جداول إعادة التوازن، في تجنب القرارات العاطفية.
- التعليم والوعي: معرفة السلوكيات الشخصية يتيح للمستثمرين التشكيك في قراراتهم والبحث عن مشورة موضوعية.
- التفكير على المدى الطويل: التركيز على الأهداف طويلة الأجل بدلاً من التقلبات قصيرة الأجل في السوق يساعد في تجنب المشي مع الجماعة والخوف من الخسارة.
التمويل السلوكي في الواقع العملي
يستخدم المستشارون الماليون والمؤسسات المالية بشكل متزايد التمويل السلوكي في استراتيجياتهم. على سبيل المثال:
- المستشارون الآليون: تستخدم المنصات الآلية برامج ذكية لفرض الاستثمار المنضبط، مما يقلل من القرارات العاطفية.
- التوجيه الذكي: قد يوجه المستشارون العملاء نحو قرارات أفضل، مثل التسجيل التلقائي للموظفين في خطط التقاعد لمكافحة التأجيل.
- تحليل السوق: يساعد التمويل السلوكي في فهم الظواهر الغريبة في السوق، مثل الفقاعات أو الانهيارات، التي يصعب على النماذج التقليدية التنبؤ بها.
التحديات والانتقادات
على الرغم من أن التمويل السلوكي يقدم أفكاراً مفيدة، إلا أن له منتقدين. يقول البعض أنه يفتقر إلى الدقة في التنبؤ مقارنة بنماذج التمويل التقليدية. ويشير آخرون إلى أن معرفة السلوكيات الخاطئة أسهل من تصحيحها، لأن السلوك البشري معقد ويعتمد على الظروف. بالإضافة إلى ذلك، ليس كل المشاركين في السوق غير عقلانيين، ويمكن لبعض المستثمرين المحترفين تصحيح الأسعار الخاطئة الناتجة عن هذه السلوكيات.
الخلاصة
يربط التمويل السلوكي بين علم النفس البشري والقرارات المالية، مما يوفر نظرة أكثر واقعية لكيفية عمل الأسواق. من خلال الاعتراف بأن المستثمرين يتأثرون بالعواطف والسلوكيات الخاطئة، يمكن للأفراد والمحترفين اتخاذ خيارات أفضل وتصميم استراتيجيات لتجنب القرارات غير العقلانية. مع استمرار تطور الأسواق، سيظل التمويل السلوكي أداة مهمة لفهم تعقيدات الاستثمار والتعامل معها.
اتخذ قرارات مالية أفضل مع ميزان
فهم السلوكيات الخاطئة هو الخطوة الأولى فقط - امتلاك رؤية واضحة لأموالك هو ما يساعدك على اتخاذ القرارات الصحيحة. ميزان هي منصة محاسبة سحابية سعودية تساعد المنشآت الصغيرة والمتوسطة على فهم وضعها المالي واتخاذ قرارات ذكية. مع التقارير المباشرة، والفوترة الإلكترونية (جاهزة لمتطلبات هيئة الزكاة والضريبة)، وإدارة المخزون، تساعدك ميزان على البقاء في المسار الصحيح والتركيز على النمو. جرّب ميزان اليوم واكتشف الفرق الذي تصنعه الرؤية المالية الواضحة.